في منتصف عام 1971 تقدم بيل فيرنانديز لتعريف ستيف وزنياك البالغ من العمر 21 عاماً، إلى ستيف جوبز ابن 16 عاماً آنذاك. لم يكن بيل يدرك في هذه اللحظة أنه يشهد التقاء ثنائي سيؤسس واحدة من أكبر الشركات في العالم؛ شركة أبل.
في العام الماضي أصبحت أبل أول شركة تتخطى قيمتها السوقية ثلاثة تريليونات دولار، بعد ثلاثة أعوام من وصولها إلى التريليون الثاني في عام 2020، وخمسة أعوام من بلوغها التريليون الأول في عام 2018. إذن كيف نجحت الشركة في تحقيق هذه المكانة؟
يعمل وزنياك مهندس إلكترونيات، وكان التعاون الأول بينه وبين جوبز بسبب عمل الأول في بناء الصناديق الزرقاء، التي مكنت الأشخاص من إجراء مكالمات بعيدة المدى مجاناً. تولى جوبز مسئولية المبيعات، ونجح في بيع 200 صندوق مقابل 150 دولاراً للصندوق، وتقاسم الاثنان الربح.
من البداية امتلك وزنياك حلم تصنيع جهاز كمبيوتر خاص به، لذا حرص دائماً على متابعة كل جديد في عالم الإلكترونيات. في 1975 صدر جهاز الكمبيوتر Altair 8800 الذي يعد أول جهاز كمبيوتر صغير ينجح تجارياً في هذا الوقت، بالاعتماد على معالج دقيق وهو إنتل 8080.
في العام نفسه التحق الثنائي بأحد أندية الكمبيوتر (Homebrew) في أمريكا؛ لذا بتشجيع من الأعضاء في النادي، توصل وزنياك إلى تصميم لجهاز الكمبيوتر المصغر الخاص به، معتمداً على الإلهام الذي حصل عليه من تجربة Altair.
في ذلك الوقت كان وزنياك متدرباً في شركة HP؛ لذا شارك التصميم مع الشركة، التي لم تُبدِ حماساً نحو هذه الفكرة، رغم محاولة وزنياك إقناعهم بها خمس مرات. من الناحية الأخرى، آمن ستيف جوبز بقيمة الفكرة وهو في عمر 21 عاماً، وأقنع وزنياك بالعمل عليها. انتقل الثنائي إلى مرأب عائلة جوبز ليكون المقر الأول لعمليات التشغيل الخاصة بالشركة، ومن هنا كانت انطلاقة أبل في عام 1976.
مرأب عائلة جوبز الذي شهد تأسيس شركة أبل / موقع Theregister
اعتمد الثنائي على تمويل المشروع من مدخراتهم الشخصية في البداية، باع جوبز سيارته الصغيرة فولكس فاجن، وكذلك فعل وزنياك مع الآلة الحاسبة الخاصة به القابلة للبرمجة؛ ليجمعا المبلغ الأول لتأسيس الشركة. كان النموذج الأول يتكون من لوحة دائرة كهربائية. طُوِّر الإصدار والشكل بالطبع، حتى وصلنا إلى قائمة منتجات أبل الحالية.
ستيف جوبز وستيف وزنياك يحملان لوحة دائرة Apple 1 / موقع Britannica
كان كل شيء يسير على ما يرام داخل الشركة، وفي عام 1980 طُرحت في البورصة للمرة الأولى، وتخطى تقييمها بعد اليوم الأول مليار دولار. عاد هذا بالنفع على الجميع، مثلاً نجح مايك ماركولا أحد المستثمرين الأوائل في الشركة، الذي ساهم في تحويلها إلى شركة حقيقية، في الحصول على 203 ملايين دولار كعائد على استثماره بالشركة.
لكن لا تسير الأمور بالطريقة نفسها دائماً، حيث واجهت الشركة منافسة قوية من IBM، وخسرت قرابة نصف السوق، وانخفضت مبيعاتها. في عام 1984، قدم جوبز جهاز ماكنتوش الذي كان أول جهاز كمبيوتر شخصي يمكن التحكم في واجهته من خلال الماوس. على الرغم من تميز الجهاز وسهولة استخدامه، لكنه لم يحقق النتائج المتوقعة؛ إذ كان سعره مرتفعاً بالنسبة للأفراد، وبلغ وقتها 2495 دولاراً.
لم تتمكن الشركة من تحقيق مستهدفاتها من الجهاز، وتسبب ذلك في مشكلة بين مجلس إدارة الشركة وجوبز، الذي بحسب وصف أحد أعضاء مجلس الإدارة، «لم يقدر أحد على السيطرة عليه في هذا الوقت»، ولا حتى جون سكالي الرئيس التنفيذي، الذي أحضره جوبز بنفسه لتولي المسئولية.
انحاز أعضاء مجلس الإدارة إلى جون، وأُبعِد جوبز عن المهام الأساسية. في النهاية باع جوبز أسهمه في الشركة، واستقال من أبل في عام 1985، فقد شعر أن ما حدث بمثابة طرده من الشركة. من خلال الأموال التي حصل عليها قرر جوبز بدء شركة Next لبناء كمبيوتر متقدم بهدف إحداث ثورة في عالم البحث، واستثمر أمواله في استوديو بيكسار للرسوم المتحركة، واشتراه في العام التالي لترك أبل.
في تسعينيات القرن العشرين واجهت أبل منافسة من مايكروسوفت؛ إذ أقبل المستهلكون على شراء الأجهزة التي تعمل بنظام ويندوز. حاولت أبل مواجهة الأمر، واشترت شركة Next من ستيف جوبز بمبلغ 400 مليون دولار في نهاية عام 1996، من أجل تحسين البرمجيات التي تقدمها الشركة.
لكن كانت الضربة القاضية في نهاية مارس عام 1997، بإعلان شركة أبل خسارة ربع سنوية بقيمة 708 ملايين دولار. استقال جيل أميليو الرئيس التنفيذي للشركة، وعادت أبل للاستعانة برجلها الأول مرة أخرى؛ ستيف جوبز نفسه. عمل جوبز في البداية على أنه رئيس تنفيذي مؤقت لحين العثور على الشخص المناسب، أو كما وصف نفسه (ICEO) أي (Interim CEO).
عند عودته، عقد جوبز صفقة مع ميكروسوفت للمساهمة في بقاء أبل. استثمرت مايكروسوفت 150 مليون دولار وحصلت على حصة في الشركة، وبدأ الاثنان في التعاون معاً. أعلن جوبز أيضاً عن تطوير خط جديد من أجهزة الكمبيوتر ذات الأسعار المعقولة، الذي عُرف باسم (iMac) في 1998. بنهاية العام كانت الشركة قد عادت إلى الربحية مرة أخرى، بإجمالي مبيعات بلغت 5.9 مليار دولار.
منذ بداية العقد الأول من القرن الجديد استمرت أبل في تقديم خطوط إنتاجها الجديدة، مع مجموعة من المنتجات الثورية في عالم الابتكارات، ذات التصميم المتميز. بدءاً من مشغل الصوت الرقمي المحمول (iPod) عام 2001، ثم سوق أبل (Apple iTunes Store) عام 2003، ثم (iPhone) عام 2007، وأخيراً (iPad) عام 2010. هذه المنتجات لاقت استحسان المستخدمين في جميع أنحاء العالم.
في كتابه (The Second Coming of Steve Jobs) يصف المؤلف آلان ديوتشمان جوبز بأنه كان صاحب رؤية، لكنه لم يكن رجل أعمال جيد عند وجوده في البداية مع أبل. وعند عودته في المرة الثانية، كان قد تعلم كيف يصبح رجل أعمال عظيم. في خطابه أمام جامعة ستانفورد، تحدث جوبز بأن طرده من أبل كان أفضل شيء حدث له. يثبت الواقع هذه الحقيقة؛ إذ أصبحت أبل بالفعل واحدة من أفضل الشركات الناجحة في العالم.
أعلنت شركة أبل عن نتائج الربع المالي الأخير لعام 2023، ونجحت في تحقيق إيرادات بقيمة 89.4 مليار دولار، وكانت قيمة صافي الربح من هذه الإيرادات هي 22.9 مليار دولار. بالنظر إلى تقرير الشركة، سيكون بإمكاننا فهم المصادر التي تعتمد عليها الشركة في تحقيق الإيرادات:
سعت أبل منذ البداية إلى تأسيس منتج قوي قادر على المنافسة وكسب ولاء العملاء، وهذا يجعلها لا تعتمد دائماً على الجولات التمويلية مصدراً للتمويل، بل تعتمد على منتجاتها مصدراً أساسياً لتمويل العمليات، على الناحية الأخرى تنفق في سبيل التطوير وتحسين منتجاتها؛ لذا نجد أن الشركة حصلت فقط على سبع جولات تمويلية، وفي المقابل تملك الشركة 30 استثماراً وسلسلة من الاستحواذات وصلت إلى 131 استحواذاً.
بالتأكيد يوجد سبب قوي لحب العملاء لشركة أبل، وهذا الأمر يوضحه نموذج عمل الشركة، فهي تضع تقدير العملاء أولوية لها، وتعتمد إدارة علاقاتها مع العملاء على وجود انتماء لديهم نحو الشركة. في الحقيقة هذا يحدث بالفعل، والشركة ناجحة في تحقيقه. إذن لماذا يحب العملاء شركة أبل؟
نموذج عمل شركة أبل / موقع Startegyzer
1. شعور العميل بالتميز
من أهم الأسباب التي تجعل العملاء يحبون شركة أبل منحهم الشعور بالأفضلية بمجرد استخدامهم لمنتجاتها. وهذا ما فعلته الشركة بتركيز مجهوداتها التسويقية على توجيه العملاء لهذا الأمر؛ إذ جعلت علامتها التجارية تعبر عن الابتكار والتميز، مع التركيز على البساطة في التنفيذ. بالتالي عندما يشتري العميل أحد منتجات أبل فهو يصبح جزءاً من المجتمع الخاص بها، ويحصل على المميزات نفسها التي تملكها علامتها التجارية، ما يخلق شعوراً بالتميز لدى عملائها.
كما أن الشركة في تسعيرها للمنتجات لا تسعى لتقديم خصومات مثل البقية، لأنها تركز في الحصول على عملاء محددين ينتمون لعلامتها التجارية، وتمنحهم تجربة استخدام رائعة ومبتكرة، فالشركة تبني أداءها حول الفوائد التي تمنحها للعملاء لا الخصائص المتوفرة في المنتجات. بالتالي، يستمر شعور العملاء بالحصرية، وشعورهم بأن امتلاكهم لمنتجات أبل يعبر عن التميز.
رؤية ومهمة شركة أبل / موقع Fourweekmba
رؤية ومهمة شركة أبل / موقع Fourweekmba
2- النظام البيئي المتكامل لشركة أبل (Ecosystem)
في تحليل موقع CNBC لمحاولة فهم الأسباب التي تدفع العملاء إلى شراء منتجات أبل، أشارت إلى أن أكثر شيء يميز الشركة هو امتلاكها لنظام بيئي متكامل في أعمالها (Ecosystem)، وأن هذا هو السبب الذي يدفع العملاء إلى الاستمرار في عمليات الشراء.
يعرف النظام البيئي في الأعمال على أنه شبكة المنظمات التي تشمل جميع المشتركين في تقديم منتج أو خدمة معينة، مثل الصانعين والموردين والموزعين. يتأثر هذا النظام أيضاً بالمنافسة، وبالتالي لا بد من تطويره باستمرار حتى يكون قادراً على التكيف مع التغيرات، والصمود لفترة طويلة.
بالعودة إلى أبل، فهي تصنع النظام الخاص بها، من خلال تقديم التكامل بين منتجاتها. مثلاً يمكنك إجراء المحادثات من جهاز iPhone وكذلك من خلال الأجهزة الأخرى التابعة لها مثل iPad. بالتالي كلما زاد استخدامك لأجهزة أبل كعميل، حصلت على نتائج أفضل.
تسعى أبل إلى إضافة التكامل بين المنتجات المختلفة باستمرار، فيمكنك الحصول على الدعم من Siri (المساعد الصوتي الافتراضي من أبل)، على مختلف الأجهزة. تُرفع صورك تلقائياً كذلك من الجهاز الذي تستخدمه، لتكون متاحة على بقية الأجهزة الأخرى الخاصة بك.
يتابع التحليل بأنه على الناحية الأخرى لا يملك المنافسون لأبل القدرات نفسها في تصميم نظام بيئي بنفس القوة. بالتالي، يجد العميل في أبل ما لا يجده لدى الآخرين، ويكون من الصعب عليه التبديل من أبل إلى شركة أخرى؛ إذ لن يحصل على نظام متكامل بنفس الجودة.
3- استراتيجية أبل تدور حول العملاء (Customer-Centric)
في تحليل موقع Forbes عن سبب تصنيف شركة أبل مسوقاً جيداً، وبالتبعية حصولها على تأييد للعملاء. يوضح التحليل أن طريقة عمل التسويق والمبيعات في شركة أبل تدور حول العملاء، لا المنتجات. وبالتالي تسعى إلى اختيار موظفين لديهم فهم أكبر للعملاء واحتياجاتهم، ويمكنهم العمل معهم.
على سبيل المثال، ضمن استراتيجية الأعمال إلى الأعمال الخاصة بها B2B، تستهدف أبل الشركات الصغيرة والمتوسطة. فإذا أرادت تسويق منتج مثل محفظة أبل، تعين أشخاصاً من نفس الخلفية الخاصة بالعملاء. مثلاً للتعامل مع شركات في مجال الرعاية الصحية، توظف الشركة مهندساً سابقاً في علوم الطب الحيوي يملك خبرة في العمل مع المستشفيات.
حتى فيما يتعلق بنهج الأعمال إلى العملاء (B2C)، تحرص شركة أبل على اختيار المندوبين الذين يعملون في متاجر البيع بالتجزئة، من خلفيات مختلفة وفقاً لطبيعة المكان الذي يتواجدون به. فهي هنا تجعل كل شيء يدور حول العملاء، ومن الطبيعي أن يحبها العملاء لذلك.
وفقاً لنفس التحليل، منذ عام 2007، اعتمدت أبل على مقياس (صافي نقاط الترويج - NPS) - وهو مؤشر يمكِّن الشركة من قياس مدى استعداد عملائها للتوصية بمنتجاتها للآخرين - كمؤشر يخبر الشركة عن مدى نجاح ولاء عملائها لعلامتها التجارية.
تستخدم الشركة هذا المقياس في إدارة متاجر البيع بالتجزئة الخاصة بها، وتجمع الملاحظات عن العملاء لتشاركها مع الفرق المسئولة عن الإدارة. في حالة وجود أي مشكلة، يتدخل مدير المتجر لحلها. كذلك تعتمد الشركة على هذا المقياس في أخذ قراراتها، من ترقية الموظفين إلى التفكير في استراتيجيتها المستقبلية. أي إن رضا العملاء هو المتحكم في جميع القرارات.
4- منتجات الشركة جيدة بالفعل
في النهاية تتميز منتجات الشركة بأنها جيدة بالفعل، فهي لا تقدم وعوداً كاذبة فقط، أو تصنع عروضاً تسويقية فقط من خلال حملاتها الإعلانية. لكن الشركة تنتهج تصميم منتجات يحب العملاء استخدامها ويحصلون على مستوى الرضا الذي يريدونه. حتى مع اعتراضهم على بعض التعديلات التي تجريها على المنتجات، مثل إزالة مدخل سماعة الرأس، والاكتفاء بمدخل شحن البطارية، لكن في النهاية يستمرون في الاستخدام، وهذا بسبب ملاءمة المنتجات لهم في النهاية.
يصف تيم كوك الرئيس التنفيذي لأبل حالياً أن الشركة للمستخدمين، فهي لا تركز على التكنولوجيا غايةً لها أبداً، بل تستعين بها وسيلةً لتحقيق أهدافها، وتمنح المستخدمين منتجات ذات جودة عالية، فتقدم أداءً مميزاً، وكذلك تضمن الأمان والخصوصية في الاستخدام، وهو الأمر الذي يجعل العملاء يشعرون بالطمأنينة عند استخدام منتجات الشركة.
5- ستيف جوبز
ستيف جوبز ليس مجرد رائد أعمال نجح في تأسيس شركة وصلت إلى مستوى عالٍ من النجاح، لكنه بالنسبة للعديد من الأشخاص يمثل نموذجاً ملهماً، بدءاً من قصته في تأسيس الشركة، وما حدث له عند الرحيل منها، ثم العودة مرة أخرى والنهوض بالشركة من جديد، والوصول بها إلى أفضل فترات النجاح والابتكار والثورة التكنولوجية، إلى جانب قدراته الجيدة في تقديم العروض التقديمية، التي جعلته نموذجاً يُحتذى به في هذا المجال.
كل هذه الأمور تجعل ستيف جوبز رمزاً بالنسبة للبعض، وخلقت ارتباطاً قوياً بين العملاء وبين الشركة. فمثلاً عندما استقال جوبز من وظيفته كمدير تنفيذي في 2011 بسبب المرض، تراجع سهم أبل بقيمة 3%. ثم عند وفاة جوبز في العام نفسه تراجع سهم الشركة مرة أخرى بقيمة 5%. تؤكد هذه المؤشرات أثر جوبز في تأسيس ونجاح إمبراطورية أبل، وتقدير العالم له، وحتى إذا زال هذا الأثر الآن، فإنه ساهم فيما وصلت إليه الشركة مع عملائها.
يبدو الحديث عن شركة أبل في إطار من الرومانسية دائماً، فهي الشركة التي ينظر إليها العملاء بحب شديد. لكن الحقيقة أن هناك وجهاً آخر للشركة، تعرض لانتقادات سابقاً، ولا يزال يعاني من بعض الانتقادات الشديدة. فما هي أبرز الانتقادات التي تعرضت لها شركة أبل حتى الآن؟
1- سعي أبل للقضاء على المنافسين
تسعى أبل إلى فرض ما يشبه الاحتكار من خلال متجر التطبيقات الخاص بها؛ إذ سعت إلى تقييد التطبيقات التي اعتبرتها منافسة لبعض المميزات التي تقدمها في منتجاتها، مع محاولة فرض السيطرة على المتجر والترويج لمنتجاتها فقط حتى إذا تطلب ذلك إبعاد المنافسين بطرق خاطئة.
● برنامج F.lux
في نوفمبر 2015 أتيح برنامج F.lux على متجر تطبيقات أبل. يشيع استخدام هذا البرنامج في ضبط ألوان الشاشة في أثناء الوضع الليلي، وإزالة الضوء الأزرق الذي قد يؤثر على النوم، ويمنح المستخدم الفرصة لاستخدام الأجهزة في إطار آمن تماماً.
بعد يوم واحد فقط من إصداره على المتجر منعت الشركة تحميله بزعم أنه يخالف اتفاقية برنامج المطور، في شهر مارس من العالم التالي أعلنت الشركة عن تحديث في نظام التشغيل IOS يحتوي على خاصية الوضع الليلي. وبعدها توسعت في استخدامه ببقية الأجهزة الخاصة بها.
● تطبيقات التحكم في وقت الشاشة
في 2019، تعرضت أبل لانتقادات مشابهة بشأن المنافسين، فمنذ تقديمها الإصدار الذي يعمل على تتبع وقت الشاشة، توجهت إلى إزالة أو تقييد 11 تطبيقاً من بين التطبيقات الـ 17 الأكثر تحميلاً لوقت الشاشة والمراقبة الأبوية، وفرضت قيوداً أخرى على التطبيقات الأقل شهرة.
صرح الرئيسي التنفيذي لتطبيق OurPact أمير موسافيان بأن أبل فعلت ذلك بدون أي إنذار، وأنهم بهذه الطريقة يقتلون الصناعة بطريقة ممنهجة. بالطبع كان تصريح أبل هو أن هذه التطبيقات تملك صلاحية الوصول إلى بيانات دقيقة عن المستخدمين، وهذا ليس صائباً. لكن مرة أخرى، بالنسبة للجميع كانت هذه محاولة من أبل لفرض هيمنتها على الصراع مع المنافسين في أي مجال.
● خدمات سبوتيفاي ويوتيوب
في مايو 2015، أُعلن عن تحقيق أُجري بواسطة وزارة العدل الأمريكية ولجنة التجارية الفيدرالية مع أبل، حول سعي الشركة للسيطرة على مجال خدمات بث الموسيقى، فقد أجبرت الشركة سبوتيفاي على التخلي عن الخدمات المجانية في التطبيق، وهو ما يجعلها تخسر جزءاً كبيراً من عملائها.
كذلك قدمت أبل عرضاً إلى شركة Universal Music Group لدفع رسوم منح المحتوى ليوتيوب، في مقابل سحب محتواها من هناك. بالتالي تتمكن أبل من جذب العملاء إلى تطبيق الموسيقى الخاص بها حصرياً، بعيداً عن أي منافسين آخرين.
2- طريقة تعامل شركة أبل مع المطورين على متجر التطبيقات الخاص بها
يعاني المطورون من الطريقة التي تستخدمها الشركة في المعاملات معهم. الأمر الذي من أجله تعرض تيم كوك لجلسة للاستجواب في الكونجرس، وهي جلسة شملت أيضاً استجواب شركات فيسبوك وجوجل وأمازون، بخصوص أمور أخرى.
كان الاتهام يتركز حول شكوى سبوتيفاي، التي تمثل شكاوى العديد من المطورين الآخرين أيضاً، حيث لا يقتصر الأمر فقط على الرسوم التي تفرضها الشركة لإضافة التطبيقات، وهي 30% من الإيرادات. لكن أيضاً السلوك الذي تتبعه الشركة في التعامل، الذي تحدث عنه كبير المسئولين القانونيين في سبوتيفاي هوارشيو جويتيريز. فمثلاً يحتاج أي تطبيق للانتظار لأشهر للموافقة على أي تحديثات بسيطة للتطبيق، إلى جانب رفض الترويج للتطبيق.
على الرغم من رد تيم كوك على هذا الأمر بأن الشركة تسعى إلى معاملة جميع المطورين بالطريقة نفسها، وبالتالي فهي تطبق القواعد على الجميع. لكن بالنسبة للمطورين، فإنهم يجدون أنفسهم دائماً في خوف، بشأن قرارات أبل مع التطبيقات التي تكون في منافسة مباشرة مع منتجاتها، والأمثلة في الفقرة السابقة تؤكد أن الأمر يستحق الخوف.
3- التعامل السيئ مع العمالة
تملك أبل مصانع للإنتاج موجودة في الصين، تُدار بواسطة المصنعين الذين تتعاقد معهم شركة أبل، مثل شركة Foxconn وInventec وPegatron. تشير العديد من التقارير منذ 2006 إلى ظروف العمل الصعبة للعاملين هناك التي تخلو من الأمان، إلى جانب توظيف الطلاب والأطفال لمنحهم أجوراً منخفضة.
على الرغم من سعي شركة أبل إلى علاج هذه النقطة، وفتح تحقيق مع هذه المصانع للتأكد من الشروط والمعايير، وقطع علاقاتها مع المصانع التي لم تلتزم بها. لكن المشكلة استمرت في الحدوث، رغم وعود الشركة بالإصلاح. وهذا ما اكدته هيئة الإذاعة البريطانية في 2014؛ إذ تمكن الصحفيون من التسلل إلى الداخل كموظفين.
بالطبع حاولت الشركة الرد على هذه الاتهامات، مؤكدة أنها تلتزم بالمعايير، وحرصها على تضمين ظروف عمل آمنة للجميع. لكن تقارير منظمة حقوق العمال في الصين في 2015 و2016، استمرت في رصد المخالفات، وأشارت إلى أن مورد أبل Pegatron يمنح العمال أجوراً منخفضة لا تكفي حتى لتغطية تكاليف المعيشة، فيجدون أنفسهم مجبرين على العمل لساعات إضافية لتغطية النفقات.
من الاتهامات الموجهة إلى أبل في هذا الشأن، تقرير معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي في فبراير 2020، الذي يشير إلى احتمالية استفادة شركة أبل بشكل مباشر أو غير مباشر، من معسكرات الإيغور للعمل الجبري التي تفرضها الصين.
4- التحايل على دفع الضرائب
في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي عُرفت شركة أبل بالريادة في استخدام أسلوب المحاسبة Double Irish With a Dutch Sandwich، الذي يقلل من الضرائب، من خلال توجيه الأرباح إلى الشركات التابعة لها الموجودة في أيرلندا وهولندا ثم إلى منطقة بحر الكاريبي. وبالتالي في 2004، كانت أيرلندا هي موطن أكثر من ثلث عائدات شركة أبل حول العالم.
في 2013 صدر تقرير لمجلس الشيوخ حول وضع أبل، أشار إلى أن الشركة نجحت في الاحتفاظ بأرباح بمليارات الدولارات عبر هذه الشركات التابعة لها، فلم تدفع سوى ضرائب قليلة، تقريباً 2% كضريبة على الدخل. كما أن الشركة لم تدفع ضرائب على أرباحها من العمليات العالمية، التي مثلت تقريباً 30% من صافي أرباح شركة أبل بين 2009 و2011.
استمرت الدعاوى لمطالبة أبل بدفع الضرائب، وقادتها مارجريت فيستاغر مفوضة المنافسة في الاتحاد الأوروبي، وطالبت أبل بدفع 14.5 مليار دولار، لتكون أكبر قيمة تدفعها شركة كضريبة في التاريخ.
قررت الحكومة الأيرلندية الاستئناف ضد الحكم باعتبار أن هذا القرار تدخل في سيادتها، كذلك قررت شركة أبل الاستئناف ضد النتيجة. استمرت معركة أبل ضد هذا القرار، وفي مطلع ديسمبر من 2017، نظم نشطاء حملة بعنوان ادفع ضرائبك، مع تنفيذ احتجاجات عامة في متاجر أبل بباريس وأماكن أخرى في فرنسا.
في النهاية، قررت أبل في منتصف يناير من 2018، أنها ستعمل وفقاً لقوانين الضرائب الأمريكية، وأنها ستعيد أرباحها الخارجية إلى الوطن، مع قبولها بدفع 38 مليار دولار كضرائب مؤجلة.
بالطبع تواجه أبل منافسة في مختلف المنتجات والخدمات الخاصة بها، فعلى مستوى iPhone بالتأكيد هناك منافسة من شركات مثل: Samsung - Huawei - Oppo وغيرها. على مستوى أجهزة Mac هناك منافسة من شركات مثل: HP - Dell - Lenovo، وغيرها. في خدمات البث هناك Spotify - Anghami وغيرها. الفكرة أن شركة بحجم أبل لا بد من أنها ستواجه منافسة شرسة باستمرار على جميع الأصعدة.
لكن إذا أردنا إلقاء نظرة أكثر عمقاً، ربما نكتشف أن المنافسة الأكبر لشركة أبل ليست على المستويات الفرعية المتعلقة بالمنتجات أو الخدمات، لكنها مرتبطة بصراع مع الشركات الكبرى في عالم التكنولوجيا ككل، تلك التي تُوصف بأنها إمبراطوريات مستقلة بذاتها، تهيمن بالفعل على عالم التكنولوجيا.
تشمل هذه الشركات الأربعة الكبار إلى جانب أبل: ميكروسوفت، ألفابيت (الشركة الأم لجوجل)، أمازون، ميتا (الشركة الأم لفيسبوك). في تحليل لموقع نيويورك تايمز، أشار إلى أن جميع هذه الشركات ليست مجرد شركات عادية، لكنها إمبراطوريات يتداخل بعضها مع بعض بطرق مختلفة.
هو نفسه الوصف الذي أقره مارك زوكربيرج، مؤسس فيسبوك، حسب التقرير - في شهادته أمام لجنتين في مجلس الشيوخ في 2018 - عند إشارته لهذه الشركات الأربعة، أو كما وصفها «منصات التكنولوجيا الأخرى»، فهو لا يرى أن هناك منافساً محدداً لشركته في مجالها، لكن الصراع القائم بين عمالقة التكنولوجيا هو الذي يحتاج إلى التركيز عليه.
إنفوجرافيك يوضح كيف تحقق الشركات الخمسة الكبرى المليارات (2022) / موقع VisualCapitalist
يبدو هذا الصراع متعلقاً بالهيمنة، ولا يوجد مجال لانتهائه بفوز أحد الشركات الأخرى، بل بمحاولات كل شركة بخلق إمبراطورية لها بمعزل عن البقية، فلا تضطر للاستعانة بها في شيء، عندما يتعلق الأمر بالتكامل بين هذه الشركات. هل هذا ممكن؟ لنلقِ نظرة على ما تحاول أبل فعله في هذه المسألة.
تسعى أبل إلى التحكم في بيانات عملائها، فتمنع وصول المنافسين إليها، وتحديداً فيسبوك، وبدرجة أقل جوجل. في أغسطس 2020 أعلنت الشركة عن تحديث في نظام الخصوصية الخاص بها على الأجهزة المحمولة، يمنع وصول التطبيقات إلى بيانات العملاء، إلا في حالة منحهم الإذن بذلك.
بالنسبة لفيسبوك، فقد اعتادت على جمع البيانات وهو الأمر الذي مكن المعلنين على فيسبوك من تصميم حملات إعلانية دقيقة، باستهداف واضح لبيانات الجميع، مع إمكانية الاستفادة من تقنيات الإعلانات المختلفة كإعادة الاستهداف مثلاً، فكانت نتائج الحملات الإعلانية ذات قيمة.
بدون بيانات مستخدمي iPhone ستصبح البيانات مقتطعة، وقد يتأثر أداء الإعلانات بكل تأكيد. الأمر الذي دفع مارك إلى تدشين حملة علاقات عامة كبيرة ضد أبل، ثم إخباره للمستخدمين على منصة مثل واتساب أنه بدون حصوله على هذه البيانات منهم فلن يكون بإمكانهم استخدام التطبيق، هذه الرسالة كانت للجميع، لكنها في الأصل رد على أبل.
أطلقت أبل التحديث لنظام IOS، وهو ما يعني أن الأمر بدأ يصبح حقيقة. بالطبع لا يعني هذا أنه لا حل بديلاً لفيسبوك، لكن ستحتاج الشركة إلى مجهود أكبر للتفكير في طرق أخرى لجمع البيانات، التي تعد السلاح الأقوى في العالم الآن، ومن خلال امتلاك أبل للبيانات بمفردها، فهي تملك كنزاً حقيقياً يمكنها من مواجهة الجميع.
الجانب الآخر للصراع، وهو الأهم بالطبع من ناحية استمرارية الشركة نفسها، يتمثل في محاولة أبل للاستفادة من النظام البيئي المتكامل الخاص بها (Ecosystem)، وتطويره بأفكار إضافية أخرى، لخلق حالة من التكامل، تجعل المستخدم لا يحتاج إلى أي شيء آخر خارجياً.
في 2018، وظفت شركة أبل جون جياناندريا رئيس قسم البحث في جوجل. كان الهدف الظاهري من التعيين هو تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي، وتحسين أداء المساعد الافتراضي الصوتي Siri. لكنها في الواقع أحضرت ثماني سنوات من خبرة جون في تشغيل محرك جوجل الأكثر استخداماً في العالم.
خلال 2020 وفي إطار الإعلان عن التحديث نفسه المتعلق بالبيانات أصبح بإمكان أبل العمل على تطوير محرك البحث الخاص بها، وهو الأمر الذي يعطيها التكامل المطلوب. من خلال ذلك سيكون بإمكانها جذب المعلنين الراغبين في استهداف جمهور أبل، لعمل حملات إعلانية لديها، فتستفيد من هذا كدخل رئيسي لها، والأهم من ذلك تفرض هيمنتها في كل ما يتعلق بعالم الإنترنت.
بالطبع لا تؤدي هذه الخطوات إلى انتهاء المنافسة، فهذا عالم الشركات الكبرى، التي دائماً ما تسعى إلى التفكير في بدائل مناسبة. لكن النقطة الوحيدة هي أن هذا يساعد أبل في توسيع إمبراطوريتها كثيراً، والأهم من ذلك هو إحكام السيطرة على العملاء بطريقة إيجابية يجعلها القبلة التي يقصدونها دائماً، وهذه هي الركيزة الأساسية في إمبراطورية أبل التي غزت العالم.